ألكساندر هارتمان
شريك إداري
ذا لوفت بيورو العقارية ذ. م. م.
أعلنت شركة قطر للبترول الحكومية الرائدة في السوق العالمي في أواخر الربع الثاني من عام 2021 عن إتمام أكبر صفقة مبيعاتٍ للسندات في الأسواق الناشئة هذا العام، حيث تم بيع ما قيمته 12,5 بليون دولار أمريكي من السندات بهدف رفع منتجها من الغاز الطبيعي المسال معززةً سيطرتها على السوق. وكان المستثمرون قد قدموا طلباتهم لسنداتٍ بقيمةٍ تقارب 40 بليون دولار أمريكي وفقاً للمعلومات المنشورة.
قد لا يعبّر هذا النجاح الكبير عن الرأي العام في أوساط رائدي أسواق الاستثمار العالمية حول قطر كوجهة استثمارية، ولكنه يدل على مدى الثقة التي تتحلى بها هذه المنظمة الهامة والحكومة المحلية من قبل العديد من المستثمرين الدوليين. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل ستستفيد قطر من هذه المعاملة المالية القياسية التي جاوزت سابقاتها، وهل ستؤدي بطولة كأس العالم 2022 إلى المزيد من الاستثمار الأجنبي المباشر؟
حسناً، إذا أردنا أن نعرف ما إذا كان الاستثمار الأجنبي المباشر سينمو خلال الأشهر الثمانية عشر القادمة، وما إذا كان سيستمر هذا النمو بعد ذلك، علينا أولاً دراسة تاريخ قطر القريب. لا يمكن أن ينسى أحد في قطر ذلك اليوم من شهر يونيو 2017 عندما قامت بلدان مجاورة لقطر، تنتمي هي الأخرى لمجلس التعاون لدول الخليج العربي، بفرض حصار اقتصادي سياسي على البلاد. وتم إغلاق الحدود البرية والجوية والبحرية فجأة ذلك اليوم لتفصل بين العائلات وتمنع الطلاب من إكمال دراستهم الجامعية، وتخلق الصعوبات القانونية لرجال ونساء الأعمال القطريين الذين يملكون أصولاً في بلدان الحصار. ولكنني متأكد أن الكثيرين سيتفقون معي أن الحظر ساعد قطر في أن تصبح أكثر استقلالاً عن جاراتها ومكنها من بناء اقتصاد أقوى من ذي قبل. ومن القطاعات التي شهدت تحولاً هائلاً إيجابياً في هذه الفترة، قطاع الصناعات الغذائية. على سبيل المثال، دفع نقص منتجات الألبان المحلية بإحدى العائلات البارزة لتأسيس شركة بلدنا الغذائية، وهي تعد اليوم شركة الألبان والأجبان الرئيسة في السوق المحلي. واقتدت العديد من الشركات الأخرى والمزارع بهذا النهج لتصبح علامة “صُنع في قطر” علامة قوية ناجحة.
ومن حسنات الحصار الأخرى، توجه رواد الأعمال القطريين لكثير من المسارات التجارية الجديدة. فقد كان الكثير منهم قد تعود على شراء البضائع من تجار جبل علي قبل بدء الحظر، أما اليوم، فقد تعلموا الذهاب مباشرة إلى المصدر واستيراد البضائع من منشئها إلى قطر مباشرة. وكان قد تم فتح ميناء حمد بعد 48 ساعة من بداية الحظر، الأمر الذي لعب دوراً كبيراً في التعافي الاقتصادي والنمو الذي حققته البلاد خلال تلك الفترة. وسارعت الخطوط الجوية القطرية بافتتاح مسارات جديدة لرحلاتها لأنها مُنعت من استخدام مساراتها السابقة التي كانت تمر في سماء البلاد التي فرضت عليها الحظر. ومن ناحية مالية، أثبتت قطر من خلال الأزمة أنها تملك الموارد الكافية التي تمكنها من تخطي أصعب الظروف، فقد لعبت إيرادات الدولة من الغاز الطبيعي المسال ومخزون النقد في البنك المركزي وبنوك التجزئة الإسلامية والتقليدية وجهاز قطر للاستثمار، الدور الأبرز في توفير الاستقرار الاقتصادي للبلاد.
وبأخذ هذه العوامل في الحسبان، لعله من المثير للاهتمام معاينة تطور الاستثمار الأجنبي المباشر في العامين التاليين لبدء الحظر الاقتصادي والسياسي على قطر من قِبل الدول الأربع. تشير بيانات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية أن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى قطر انخفضت من 986 مليون دولار أمريكي إلى -2,8 بليون دولا ر أمريكي بحلول عام 2019. هذه الأرقام تدل للأسف على أن الانسحاب من الاستثمار في البلاد كان يزيد عن قيمة الاستثمار الوارد عام 2019 بما يقارب 3 بليون دولار أمريكي. وكانت قيمة مجمل الاستثمار الأجنبي في البلاد في نفس العام 31 بليون دولار أمريكي. ولكن بشكل عام، عاد تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر على البلاد للارتفاع خلال الأعوام القليلة الماضية بفضل الاستقرار السياسي في قطر بشكل أساسي، واستقرار العملة وجودة البنية التحتية، وارتفاع نسبة إجمالي الناتج المحلي للفرد الواحد مقارنة بدول العالم الأخرى، وثراء المجتمع المحلي، والنسب الضريبية المشجعة للشركات على المستوى العالمي والتي تبلغ 10%. وتعد الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة في مقدمة البلدان المساهِمة في الاستثمار الأجنبي المباشر في قطر، في حين تشكل قطاعات النفط والغاز والإنشاءات والأشغال العامة والخدمات المالية، القطاعات الأكثر جذباً للاستثمار الأجنبي.
ووفق البيانات المنشورة بتاريخ 24 يناير 2021 من خلال مرصد اتجاهات الاستثمار العالمي التابع لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، فقد انخفض الاستثمار الأجنبي المباشر عالمياً بنسبة 42 بالمائة في 2020 مقارنة بالعام 2019. وخلال نفس الفترة، انخفض الاستثمار الأجنبي المباشر في قطر بقيمةٍ تراكمية بلغت 2,5 بليون دولار أمريكي في الأرباع الثلاثة الأولى من عام 2020. والآن، ما الذي يمكننا توقعه للفترة ما بين اليوم وحتى موعد كأس العالم 2022؟
مما لا شك فيه أن قطر مركز اقتصادي قوي ودولة قيادية على مستوى العالم العربي بأكمله. وقد تحركت النخبة السياسية في قطر خلال فترة الحصار لتأسيس وتقوية الروابط السياسية بين قطر والكثير من الدول البارزة في العالم الحر. ويُتوقع أن تساعد هذه العلاقات في تحقيق قطر لأهدافها الطموحة في الرقي لمقدمة الدول وخلق بيئةِ أعمالٍ قوية جاذبة للاستثمار الأجنبي. وقد وقّعت قطر بالفعل أكثر من 49 اتفاقية ثنائية دولية لاستغلال هذه الروابط السياسية. ومن شأن هذه الاتفاقيات تعزيز تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى قطر ودعم تنويع ونمو الاقتصاد المحلي.
ومن الإنجازات البارزة في طريق تحول قطر إلى مركز جذبٍ للأعمال والاستثمار الأجنبي، قيام الحكومة المحلية في مايو 2018 بالمصادقة على مشروع قانونٍ يسمح للمستثمرين غير القطريين بتملك 100 بالمائة من رأس المال في كافة القطاعات تقريباً. فيما رفعت الكثير من الشركات على بورصة قطر حد تملك الأجانب فيها إلى نسبة 49 بالمائة. ويضاف لهذا، طرح الحكومة لقانون عقاري جديد في نفس الفترة تقريباً يسمح للأجانب بتملك العقارات في مناطق شتى في الدوحة، والذي يمكن القول إنه خطوة أخرى كبيرة في نفس الاتجاه. ولعل ترتيب اقتصاد قطر في المركز 77 من أصل 190 بلداً في مؤشر سهولة ممارسة الأعمال وفق البنك الدولي يأتي نتيجةً للتغيرات الأخيرة في القطاع العقاري، ولكنه أيضاً على الأرجح يعود لتدفق الاستثمار الأجنبي المباشر القوي بين تركيا وقطر.
وقد طرحت قطر العام الماضي قانوناً ينظم الشراكة بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص، وهو يعمل على تقوية وضع المستثمرين كشركاء حقيقيين للحكومة في استراتيجياتها للتنويع الاقتصادي على المدى الطويل. وبموجب القانون، يشترك المستثمرون بملكية أصول البنية التحتية التي يساهمون في تطويرها وفق امتيازاتٍ طويلة الأجل. ويُتوقع أن تؤدي هذه الإجراءات وحدها لجذب أكثر من 1,5 بليون دولار أمريكي من الاستثمار الأجنبي المباشر الإضافي.
ومن الميزات الأخرى التي يستفيد منها المستثمرون الأجانب في قطر، تكاليف الطاقة المنخفضة، والعمالة الرخيصة التي توفرها أعداد العمال الوافدين وغيرها من الحوافز التي تقدمها الحكومة المحلية للمستثمرين المحليين والأجانب.
تشير الإعلانات الأخيرة الصادرة عن الحكومة المحلية إلى أن الاستثمار في البلاد يستهدف قطاعات التكنولوجيا المالية، والصناعة المتقدمة، والرعاية الصحية، والمدن الذكية، والخدمات اللوجستية وسلاسل التوريد، والتعليم (المدعوم بنسبة 10 بالمائة من ميزانية الدولة لعام 2020، أو ما يعادل 6,1 بليون دولار أمريكي)، والذكاء الاصطناعي، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات. وتماشياً مع هذه الاستراتيجية الطموحة، أعلن السيد يوسف الجيدة الرئيس التنفيذي لمركز قطر للمال في وقت سابق من هذا العام أن المركز يسعى لجذب استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 25 بليون دولار أمريكي بحلول عام 2022.
اعتماداً على خبرتنا بآثار التظاهرات الدولية السابقة، فإننا نعلم مدى فائدة استضافة مثل هذه الأحداث على الاقتصادات المحلية. ولهذا، نتوقع أن يدعم تنظيم بطولة كأس العالم 2022 في قطر الجهود الحكومية في جذب الكثير من الاستثمارات الأجنبية في السنوات القادمة. فبطولة كأس العالم لكرة القدم تعد ثاني أكبر حدث رياضي عالمي بعد الألعاب الأولمبية، ويُتوقع أن يجذب هذا الحدث عشرات الآلاف من السياح في الظروف الطبيعية. وفي المقابل، تُهيئ البطولة الفرصة أمام قطر لتثبت نفسها للعالم كبلدٍ جميل يزخر بالفرص.
تتحضر قطر لتقديم نفسها للعالم على مسرح بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022، وهي حتماً ستشهد ارتفاعاً في الاستثمار الأجنبي في المستقبل القريب. وسيؤدي الاهتمام المُنصَبّ على قطر من قبل المستثمرين الأجانب إلى انتفاع السوق العقاري المحلي في الوقت ذاته. ولهذا، أنصح المطورين العقاريين وغيرهم من المساهمين في السوق بأن يتحضروا لمجيء المستثمرين الأجانب!
نُشر هذا المقال كجزء من الإصدار السادس من تقرير اتجاهات بروبرتي فايندر قطر.
:يمكنك أيضًا البحث عن
شقق للايجار
شقق مفروشة للايجار في قطر