إد بروكس
المدير في منطقة الشرق الأوسط
كوشمان وويكفيلد
كم قرأنا من المقالات والتقارير التي تتكهن بشأن الحياة ما بعد أزمة كوفيد! وتشير الجمل المتداولة مثل “الحالة الطبيعية الجديدة” و”الحياة ما بعد الإغلاق” إلى غموضِ ما هو قادم، وتوحي بأنها مأخوذة من عالم الخيال كرواية “عالم جديد شجاع”. لقد قرأت العديد من المقالات التي تجزم أن الحياة العملية في المكاتب التجارية لن تعود لسابق عهدها أبداً – مثل مظاهر تجمع زملاء العمل حول براد المياه أو آلة تحضير القهوة، لتجاذب أطراف الحديث والمشاركة بما قام به كل منهم في عطلة نهاية الأسبوع، إلى جانب غيرها من النقاشات المتعلقة بالعمل. كما أن التوقعات تشير إلى أن دوام طاقم العمل في المكتب لن يعود لأكثر من 30% من العدد الكلي في أي لحظة من الزمن، وأن من سيأتي منهم إلى العمل سيكون منعزلاً عن زملائه وراء حواجز بلاستيكية مُكَمّلة لما يرتديه الجميع من الكمامات والأقنعة الواقية.
علمتني الأشهر الاثني عشر الماضية أن أحداً من الخبراء، على شتى تخصصاتهم، لا يستطيع التنبؤ بما هو قادم بشكل أفضل من أي فرد من عامة الناس. ففي النهاية، لم يتمكن أحد من التكهن بالفوضى العارمة التي عصفت بالعالم في 2020 بالرغم من جميع الخوارزميات المتقدمة ونماذج التنبؤ.
علينا أن نتذكر أن البشر كائنات اجتماعية تحب الروتين. وقد نشأ مبدأ مكتب العمل على النحو الذي نعرفه اليوم، في القرن التاسع عشر في زمن التلغراف والهواتف الأولى، كمركز إداري يجمع الموظفين الإداريين معاً بعيداً عن مركز العمل الفعلي، مثل المطاحن ومراكز تصميم السكك الحديدية وتركيبها وصناعتها. عاد هذا الترتيب بالنفع على صاحب العمل لما لتجميع العمال في مكان واحد من فوائد اقتصادية، ومن ناحية أخرى، استفاد أصحاب العمل أيضاً من فوائد معنوية اجتماعية للعمل ضمن مجموعة، فهذا يسهل تبادل المعلومات والانخراط بالتفاعل الاجتماعي والمزاح في مكان العمل!
وبالرغم من أن السفر عبر مسافات طويلة سيتقلص نظراً لتوفر بدائله من برامج الاجتماعات عن بعد مثل زوم وإم إس تيمز، إلا أن ذلك سيكون بسبب تكاليف السفر والوقت الذي يتطلبه وليس بسبب فاعليةٍ أكبر للاجتماعات التي تتم عبر الإنترنت – على العكس، أنا لا أعتقد أنها كذلك، فحسب خبرتي، أعتقد أن النجاح في إبرام الصفقات وتحقيق التوافق يحصل بيسر أكبر لدى التفاعل المباشر مع الطرف الآخر أثناء شرب القهوة على سبيل المثال، حيث يخلق اللقاء الشخصي مشاعر الأخوة والتعاطف التي يصعب تحقيقها في لقاءٍ عبر الشاشة.
وجدت نفسي أعمل من المنزل لمدة خمسة أشهر بينما كنت أنتظر إعادة فتح مطار حمد للمقيمين، ولكنني واجهت صعوبة كبيرة في العمل عن بعد مع زملائي والتنسيق بين توقيت البلدين، وأدركت أن كرسي طاولة الطعام لا يمكن أن يغني عن كرسي المكتب، هذا إضافة إلى أن أمي (وأحياناً كلبها) كانت تقاطعني في كثير من المرات بينما كنت في خضم عرضٍ تقديمي للزملاء!
أصعب ما في الأمر كان الالتزام بجدول يومي أثناء العمل عن بعد – فكنت أسأل نفسي: هل يتحتم على الفرد ارتداء ملابس رسمية حتى إن لم يكن سيراه أحد على الأرجح ذلك اليوم؟ لقد اكتشفت أن ارتداء حذاء العمل هو أهم ما في الأمر لدفعك للالتزام، إلى جانب جدول يومي صارم يترتب حول مواعيد الاجتماعات والوجبات.
وبالرغم من هذا، علمتني هذه التجربة كغيري على الأرجح، أن الحنين “للمعتاد القديم” ليس بالأمر السيء، فأنا أفتقد الفرصة للحديث مع الزملاء وسماع أخبارهم، وتبادل الأفكار ومناقشتها معهم، وتحضير طاولة المكتب للاحتفال بعيد ميلاد أحدهم! ولحسن الحظ بدأت حملات التطعيم في شتى أنحاء العالم، وأصبح الجميع يولي حرصاً خاصاً لقواعد النظافة والسلامة، مما يبشر أننا بلا شك سنعود قريباً لتلك الحياة المكتبية السابقة!