الولايات المتحدة في طليعة جهود تبني التكنولوجيا الرقمية لتحقيق نقلة نوعية في المجال العقاري
لطالما كان المجال العقاري صناعة تعتمد على التكنولوجيا، ولكنه شهد بعض الإنجازات الضخمة في السنوات القليلة الماضية. ويُرجح أن يكون للتكنولوجيا الحديثة التي تؤثر على شكل الميدان العقاري أثراً كبيراً على حياتك عام 2020 وما بعدها.
وكغيره من الميادين، يتميز القطاع العقاري القطري بمجموعة من النشاطات والإجراءات التشغيلية التي يمكن تفعيلها على النحو الأمثل ونقلها نوعياً باستخدام التكنولوجيا الرقمية بهدف تحسين الإنتاجية والربحية.
وفي الواقع، نجد بالفعل تغيراً في سلوك الوكلاء العقاريين، والباعة، والسكان (الملاك أو المستأجرين)، فهم اليوم مستعدون أكثر لتبني التكنولوجيا الرقمية من خلال سلسلة القيمة. إن فيض البيانات الغزير هو ما يُمكِّن ذلك، حيث تُجمع هذه البيانات اليوم في جميع المراحل منذ بدء البناء إلى مرحلة الشراء إلى الإدارة العقارية.
ويساعد هذا الكم الضخم من البيانات الوكلاء في تحقيق صفقات بيع أفضل، حيث يوفرون رؤى عميقة لزبائنهم، ويساعدونهم على إجراء بحث مستفيض بهدف اتخاذ القرار الصحيح وتحسين تجربة الإقامة بأكملها. هناك بالفعل تطور ملحوظ في جودة الخدمات والعمليات.
لقد شهدت شخصياً تطورات كبيرة منذ الأيام الأولى للسوق العقاري القطري إلى يومنا هذا. وكان من الواضح أن السلطات المحلية دعمت بعض العوامل المحركة للتحول الرقمي من أجل تحسين تجربة المشترين، وتحقيق عمليات فعالة، وتعزيز الانصياع للتنظيمات.
كما تضع وزارة العمل حالياً خطة لافتتاح بوابة عقارية للمساعدة في تطوير السوق العقاري وتنظيم الأسعار. وستكون البوابة متاحة للعامة والمكاتب العقارية والوسطاء المسجلين رسمياً مع الوزارة للكشف عن تفاصيل العقارات المعروضة للبيع. ويمكن رفع صور العقارات وقطع الأراضي لموقعها. وتأتي البوابة كجزء من استراتيجية الحكومة الإلكترونية التي تهدف لتسهيل خطوات التسجيل والتوثيق العقاري.
إن تجربة المشتري هي حتماً عامل أساسي سواء في حالة العقارات التجارية أو السكنية. فالمشتري يرغب بعملية سلسة منذ لحظة العثور على العقار إلى المتابعة والصيانة ما بعد البيع. هناك حاجة ملحة لتطبيق الشفافية، والمحاسبة، والنزاهة في كافة العمليات والتعاملات التجارية، بما في ذلك العقود، والمعاملات الورقية، وغيرها، وذلك بسبب حجم المعاملات المالية الضخم. وفي الواقع، تبعاً للمبالغ الضخمة المرتبطة بالمجال العقاري ومن وجهة نظر احترازية، تخضع الصناعة العقارية دوماً إلى رقابة دقيقة من قبل الوكالات الحكومية، مما يجعل من الامتثال نقطة محورية. وهنا يأتي دور التكنولوجيا الرقمية التي من شأنها الحد من جميع هذه المخاوف ومعالجة هذه النقاط.
دعونا نستعرض الطرق الأبرز التي يمكن للتكنولوجيا الرقمية من خلالها تحويل الصناعة العقارية.
1. البحث والشراء
تبعاً للدراسات، فبحلول عام 2017، كانت نسبة مشتري العقارات الذين يستخدمون الإنترنت للبحث عن عقارات للبيع (سواء تجارية أو سكنية)، وعن المعلومات ذات العلاقة لاتخاذ قرار البيع تفوق 51 بالمائة. واليوم، إذا أهمل أي وكيل أو شركة عقارية محترمة مواقع وإعلانات الإنترنت، فلا بد وأن تخسر هذه الجهات فرصاً كبيرة متاحة لهم بجهد قليل. هذا ليس مفهوماً جديداً أبداً. فمن المعروف أن على أي تاجر أن يتواجد حيث يكون الزبائن، والمشترون اليوم يستخدمون التكنولوجيا الرقمية بشكل مكثف. وإذا كان الوكيل/الشركة العقارية تمتلك موقعاً على الإنترنت، فمن الحكمة الاستثمار بأساليب التسويق الإلكتروني مثل التركيز على تحسين ترتيب الموقع على قوائم محركات البحث SEO، والتسويق عبر الإنترنت، وغيرها.
2. نسخة الوكيل العقاري المحسنة 2.0
إليكم هذه الحقيقة: مع توافر عدد كبير من الإعلانات والمواقع العقارية عبر الإنترنت، أصبح من السهل الآن للمشترين الاتصال بشكل مباشر مع الباعة والتخلي عن الوسيط، أي الوكيل العقاري. حتى تطبيق الواتساب تحول إلى وسيلة شعبية جداً للمشاركة بتفاصيل العقارات والعثور على من يشتريها. ولكن الخبر الجيد هو أنه لم يتم استبعاد الوكلاء نهائياً من الصورة. ما زال بإمكان الوكيل جلب الفائدة العظيمة إذا نظر لهذه القنوات الجديدة على أنها فرص لزيادة وصوله في السوق باستخدام التسويق الرقمي وتقديم الخدمات المتخصصة من خلال القيام بتحليلات البيانات لفهم حاجات المشتري.
3. تغيير زيارات الموقع
هناك نهج مزدوج للنحو الذي ستغير به التكنولوجيا الرقمية زيارات الموقع. الأمر الأول هو الجانب التشغيلي، حيث يستخدم الزبون الموقع أو برنامجاً متخصصاً لجدولة زيارة للمكان، وكذلك لتحديد متطلبات ما قبل الزيارة مثل الوديعة، والنماذج الإلكترونية، ووثائق إثبات الهوية الصالحة، ومراجع إثبات الكفاءة المالية، وغيرها. أما الثاني فهو تغيير أكثر جذرية، ويتمثل بتطبيقات الواقع الافتراضي والمعزز التي يمكنها تقديم تجربة 360 درجة لموقع العقار على الإنترنت من أي مكان ودون الطلب من المشتري القدوم أو إضاعة الوقت في تحديد موعد للزيارة. تخيل أن تكون قادراً على معاينة العقار والتحرك داخل الوحدة افتراضياً وأخذ فكرة عن حجمها وتوزيع الغرف، وحجم النوافذ، وحتى التجهيزات مثل الخزائن، أو الدخول إلى الحمام وملاحظة مساحة الدش. كما تقدم بعض تطبيقات الواقع الافتراضي المتقدمة الفرصة لاستكشاف الحي كذلك افتراضياً. إن الأمر أشبه بزيارة العقار دون مغادرة منزلك أو مكتب وكيلك العقاري. الأمر يشبه لعبة بوكيمون غو للواقع المعزز!
4. التوثيق الرقمي
كان تحضير الوثائق المتعلقة بتأجير أو بيع عقار سكني أو تجاري يستغرق ساعات. وكانت هذه الوثائق معرضة للخطأ اليدوي، وفي حال شراء عقار في مدينة أو بلد آخر، كان هناك أيضاً إزعاج إضافي يأتي من أخذ القوانين والتنظيمات للطرف الآخر في الحسبان. ولكن تتوفر اليوم الكثير من المواقع على الإنترنت وأدوات آلية لتجهيز هذه الوثائق جميعها في زمن قليل جداً مقارنة بما كانت تستغرقه العملية في الماضي. وإذا تم استخدام هذه البوابات منذ وقت مبكر في العملية، ستقوم بتسجيل وإدارة كل خطوة بدءً من الوثائق المطلوبة للزيارة الأولى إلى وثائق المعاملة، ومعلومات الدفع، وأي تغييرات لأسعار الإيجار، وغيرها. كما تتيح هذه البوابات التصديق المباشر للوثائق مع السلطات الحكومية، والتحقق من الوثائق رقمياً، والمساعدة بغيرها من المتطلبات القانونية. أما بالنسبة للمشتري، فهذا يعني الشفافية بالتسعير واحتساب الضرائب، والشفافية في المدفوعات القانونية، والقضاء على المعاملات الاحتيالية.
5. الإدارة العقارية
ويمكن حتى لكيفية تصميم وبناء وإدارة العقار أن تتحول رقمياً. وبالفعل، هناك انتشار لإنترنت الأشياء IoT في عدة بلاد. أحد أمثلة ذلك هو استخدام المستشعِرات الذكية التي تستفيد من البيانات للمساعدة في إدارة المباني من شتى الأنواع وتوجيهها. يقوم السماسرة والوكلاء العقاريون والمالكون في نيويورك باستخدام المستشعِرات الذكية والتكنولوجيا الجوالة لمتابعة المجمعات التجارية والسكنية في الزمن الحي وعن بعد. تشارك هذه المستشعِرات بدفق مستمر من البيانات حول وضع المعدات، والانقطاعات في الخدمات، وسيناريوهات الأمن، وحتى بعض المعلومات المتخصصة مثل حرارة المبنى. وقد ساعد تبني إنترنت الأشياء في تسهيل جدولة التصليحات، والسيطرة على الحرائق، والتقليل من المصادر الضائعة مثل الماء والكهرباء.
6. ذكاء المباني – نعم، هذا موجود!
بينما نحن في صدد الحديث عن التحول الذي تسببت به التكنولوجيا لبعض المهمات التي كانت تنجز يدوياً حتى وقت قريب، فلنتناول أيضاً موضوع نمذجة معلومات المباني BIM، والتي تعني إدارة دورة الحياة بأكملها في المباني باستخدام التكنولوجيا الرقمية. نمذجة معلومات المباني هي نظام يقوم على نموذج ثلاثي الأبعاد يستخدم عادة من قبل خبراء البناء والعمارة والهندسة لفهم الأدوات التي يحتاجونها لتخطيط وتصميم وبناء وإدارة العقارات. وهي تساعد في إدارة مراحل التصميم وتسهل تتبع العمليات. ويشمل هذا كل شيء من تصميم المبنى وإنشائه إلى الوصول إلى أمثل استخدام لمساحته و/أو إشغاله، والمعدات اللازمة.
7. تحليلات الرؤى
يستخدم المستثمرون العقاريون بالفعل الرؤى المستنبطة من البيانات باستخدام الذكاء الاصطناعي للمساعدة في اتخاذ القرارات الاستثمارية. حيث يعطيهم الذكاء الاصطناعي رؤية عميقة حول اتجاهات السوق، والتعرف على الفرص الجديدة، ورسم خطط الإيرادات والنمو الواقعية، أو حتى الإشارة إلى احتمالية العجز عن سداد الديون حين ينطبق الأمر. بالإضافة إلى نمذجة معلومات المباني، وإدارة العقارات، تساعد رؤى الذكاء الاصطناعي المستثمرين العقاريين على ضبط النفقات، ورفع عائدات الاستثمار وتقليل المخاطر.
8. تصنيف الصور رقمياً
تخيل اختيار ونشر صور الوحدات، وإدخال التفاصيل وإدارة مئات العقارات يدوياً. تبدو هذه مهمة مضنية للغاية، أليس كذلك؟ لحسن الحظ، يمكن أن يستخدم الوكلاء العقاريون اليوم تصنيف الصور رقمياً لأتمتة عملية انتقائها، وذلك باستخدام التعلم الآلي لتصنيفها والإشارة إليها خلال ثوانٍ معدودة. وتتمكن هذه البرامج اليوم من تصنيف الصور بسهولة اعتماداً على عدد قليل من المواصفات مثل نوع وعدد الغرف، ومواصفات خاصة، وأنماط التصميم، والموقع، والتجهيزات، والتاريخ المطلوب، وغيرها. وبدمج هذه الأداة مع برامج التسويق المتاحة للوكلاء، يمكنهم إدارة حملات عبر البريد الإلكتروني تستهدف الجمهور المعني بشكل أدق، واستخدام إعلانات مخصصة تبعاً للموقع.
وبعد كل ما ذكر سابقاً، يبقى السؤال فيما يتعلق بجاهزية الصناعة العقارية لخوض التحول الرقمي. في رأيي، يتباين مستوى تبني هذا التحول ونضجه في أنحاء العالم، مع الولايات المتحدة في مقدمة تبني التكنولوجيا الرقمية التي تدفع بالتحول في الميدان العقاري. ستواجه هذه الصناعة بلا شك تحديات عدة في الطريق لتحقيق تحول رقمي كامل واللحاق بغيرها من الميادين. يزخر السوق بالكثير من أدوات التكنولوجيا والإبداعات التي يمكنها إدارة العديد من الأوجه المختلفة في الصناعة وخلق تجربة طيبة للباعة والمشترين على حد سواء. بدأت بعض الشركات الرائدة بالفعل بأخذ خطوات صغيرة وتبني نهج مرحلي لاستخدام التكنولوجيا كمُمَكِّن للصناعة ولتحسين تجربة وعمليات الزبون. أما رسالتي للمتلكئين فهي الإسراع في هذا الاتجاه وإلا ستلحق بهم الخسائر بلا شك.
المصادر: حكومي، قطر تريبيون
يمكنك أيضًا البحث عن:
شقق للايجار
شقق مفروشة للايجار في قطر شهري